في يوم من الأيام، أراد الكمبيوتر أن يفهم العالم حوله. كان يرى الصور، يقرأ النصوص، ويتعامل مع بيانات لا حصر لها، لكنه شعر بالعجز؛ كل شيء بدا وكأنه كتل من البيانات غير المترابطة. لم يكن يستطيع فهم ما يراه أو يقرأه، ولذا لجأ إلى صديقه الجبر الخطي ليساعده في رؤية البيانات بشكل أوضح.
بدأ الجبر الخطي يعلّم الكمبيوتر عن مفهوم المصفوفات، وهو نظام بسيط لكنه قوي لتنظيم الأرقام وترتيبها بطريقة تجعل تحليلها أسهل بكثير. أخبره أن المصفوفة هي مثل جدول من الأرقام، كل عنصر فيها يمثل جزءًا من المعلومات. وبمجرد ترتيب البيانات داخل المصفوفة، أصبح للكمبيوتر فرصة لفهمها.
أول تحدٍ واجه الكمبيوتر كان رؤية الصور. الصور التي كان يراها كانت تبدو له كمجموعة عشوائية من الألوان، ولكن الجبر الخطي أعطاه حلاً؛ فبدلاً من رؤية كل بكسل على حدة، أصبح يمكنه تمثيل الصورة كـ مصفوفة من القيم. في الصور بالأبيض والأسود، أصبحت كل بكسل قيمة داخل هذه المصفوفة، تتراوح من 0 (أسود) إلى 255 (أبيض). ومع الوقت، تعلم الكمبيوتر كيف يمثل الصور الملونة كمصفوفات ثلاثية الأبعاد، حيث يمثل كل بكسل مزيجًا من الأحمر والأخضر والأزرق. الآن، أصبح يمكنه تمييز الأشياء داخل الصور باستخدام المصفوفات بفضل الجبر الخطي.
ثم جاءت النصوص، وحينها شرح الجبر الخطي للكمبيوتر كيفية تمثيل الكلمات كمصفوفات. بدلاً من رؤية الكلمات كحروف، أصبح بإمكانه أن يفهمها كمتجهات داخل فضاء متعدد الأبعاد. عبر استخدام تقنية تعرف بـ التضمينات، أصبح يمكنه تحديد العلاقة بين الكلمات بناءً على التشابه في السياق. مثلاً، بات الكمبيوتر يعرف أن "ملك" و"ملكة" يشتركان في معنى السلطة، وأن "طبيب" و"مستشفى" مرتبطان بالعناية الصحية.
وبعد النصوص، أراد الكمبيوتر الدخول إلى عالم أكثر تعقيدًا؛ عالم الشبكات العصبية. هنا ساعده الجبر الخطي على فهم كيف تمر البيانات عبر طبقات الشبكة العصبية من خلال عمليات الضرب المصفوفي. تخيل الكمبيوتر كل طبقة كمرحلة يتعلم فيها شيئًا جديدًا. الطبقة الأولى تتعرف على الأنماط البسيطة، والثانية تتعرف على الأشكال، وهكذا حتى يصل الكمبيوتر في النهاية إلى تصنيف الصورة بالكامل، فيتمكن من معرفة ما إذا كانت تحتوي على "كلب" أو "قطة".
أخيرًا، وجد الكمبيوتر نفسه وسط كميات ضخمة من بيانات المرضى، وأراد تصنيفها للمساعدة في التشخيص. علّمه الجبر الخطي كيف يمثل كل مريض كصف في مصفوفة الخصائص، حيث يعبر كل عمود عن ميزة معينة، مثل العمر أو ضغط الدم. باستخدام المصفوفات، بات الكمبيوتر قادرًا على تحليل الأنماط وإجراء التصنيفات والتنبؤات التي تساعد الأطباء على فهم الحالات المرضية وتوقع النتائج.
وهكذا، أصبح الكمبيوتر، بمساعدة الجبر الخطي، قادرًا على رؤية العالم وتحليله بشكل عميق. المصفوفات لم تكن مجرد أرقام، بل مفاتيح فتحت أمامه أبواب الفهم، وساعدته في رؤية النصوص، وفهم الصور، والتعلم من البيانات، ليصبح قادرًا على مساعدة البشر بطرق لم يكن يتخيلها من قبل.
المصفوفات هي أدوات رياضية حيوية في الذكاء الاصطناعي، حيث تمثل وسيلة لتنظيم البيانات بشكل يجعل من السهل معالجتها وفهمها. تُستخدم المصفوفات لتمثيل الصور، النصوص، والبيانات في نماذج الذكاء الاصطناعي، وتتيح لنا تطبيق العمليات الرياضية عليها لاكتشاف الأنماط والتنبؤات.
في Computer Vision، تُعتبر الصور مصفوفات من القيم، حيث يمثل كل عنصر في المصفوفة بكسلًا من الصورة. تساعد هذه التمثيلات المصفوفية في التعرف على الأجسام واكتشاف الحواف والأنماط في الصور. في معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، تُحول الكلمات إلى متجهات داخل مصفوفات متعددة الأبعاد لتحديد العلاقات بين الكلمات وفهم السياق.
أما في الشبكات العصبية العميقة، فتُمثل الأوزان والعلاقات بين الطبقات على شكل مصفوفات، ويتم استخدام الضرب المصفوفي لتمرير البيانات عبر الطبقات وتحديث الأوزان عبر خوارزمية الانتشار العكسي (Backpropagation). تساعد هذه العمليات الجبرية النماذج على التعلم والتحسين.
إجمالاً، يعد تمثيل البيانات بالمصفوفات أساسًا للذكاء الاصطناعي، إذ يجعل من الممكن بناء نماذج متقدمة قادرة على تحليل البيانات المعقدة واكتشاف الأنماط بشكل أكثر كفاءة ودقة.
العودة إلي 1. المصفوفات والمحددات (Matrices and Determinants)