في يومٍ من الأيام، كان هناك علمٌ قديم يُدعى الجبر الخطي، وكانت مهمته تقتصر على فهم الأعداد والمصفوفات، التي بدت وكأنها مجرد جداول من الأرقام المملة. لكن الجبر الخطي كان يملك قدرةً خاصة؛ إ إذ كان يعرف كيف يتعامل مع الأشياء التي تتكون من تفاصيل كثيرة - عدة أبعاد- . لم يكن أحدٌ يتوقع أن هذا العلم العريق سيجد يومًا عالمًا جديدًا يحرره من غبار الكتب ويجعله بطلًا في عصر المعلومات.
ذات يوم، ظهر ضيف جديد يُدعى الذكاء الاصطناعي. كانت غايته فهم العالم بعمق، وكانت التحديات أمامه هائلة، فقد وجد نفسه محاطًا بكمٍّ هائل من البيانات؛ صور ونصوص وأصوات لا حصر لها، وكان عليه أن يجد طريقة ليحول كل هذه البيانات إلى شيء يمكنه "فهمه" وتعلمه. وفي هذا الموقف، قرر الذكاء الاصطناعي الاستعانة بالجبر الخطي.
بدأ الجبر الخطي بمساعدة الذكاء الاصطناعي عن طريق تحويل البيانات إلى مصفوفات؛ فكانت كل صورة تُمثل كمصفوفة من الأعداد تمثل بكسلاتها، وكل كلمة تُحول إلى متجه يعبر عن معناها. في هذا العالم الجديد، كانت المصفوفات والمتجهات تساعد الذكاء الاصطناعي على "رؤية" البيانات وفهمها كما لم يفعل من قبل.
مع الوقت، أصبح الجبر الخطي والذكاء الاصطناعي فريقًا قويًا. طورا تقنية تحليل المكونات الأساسية (PCA)، التي كانت تسمح للذكاء الاصطناعي بتحديد الميزات الأهم من بين ملايين الميزات. كان هذا أشبه بقدرة خارقة للتركيز على التفاصيل التي تهم حقًا، وتجاهل كل ما يمكن أن يشوش على التعلم.
ثم جاءت الشبكات العصبية العميقة، وتلك كانت قصة أخرى مثيرة في حياتهما. فقد شرح الجبر الخطي للذكاء الاصطناعي كيف يمكنه استخدام المصفوفات والمتجهات لتمرير البيانات بين الطبقات المختلفة للشبكة، وكيف يمكن للتدرجات وتفاضل المصفوفات أن يوجه التغييرات في الأوزان لتحسين الأداء، وكان هذا الأساس وراء الانتشار العكسي (Backpropagation). أصبح الذكاء الاصطناعي بفضل هذه التقنيات قادرًا على التعلم من أخطائه وتطوير نفسه، ليصل إلى دقةٍ وذكاءٍ مذهلين.
ولكن لم يتوقف الذكاء الاصطناعي عند ذلك، فقد أراد أن يفهم الكلمات أيضًا. وللمرة الثالثة، تدخل الجبر الخطي، وعلم الذكاء الاصطناعي كيف يحول الكلمات إلى تضمينات (Embeddings) في فضاء المتجهات، مما جعل الذكاء الاصطناعي قادرًا على التعرف على الروابط بين الكلمات وفهم معانيها.
ومع تقدم الأيام، وجد الذكاء الاصطناعي نفسه ممتنًا للجبر الخطي. فمن خلال هذا العلم، لم يصبح الذكاء الاصطناعي مجرد خوارزميات جامدة، بل أصبح قادرًا على فهم وتحليل العالم بطرق جعلته يشبه البشر في دقته وقدرته على التعرف على الأنماط. لقد كان الجبر الخطي المفتاح السري الذي أطلق العنان لقدرات الذكاء الاصطناعي وجعله بطل هذا العصر الرقمي.
في هذا المنهج، ستكتشف كيف يعد الجبر الخطي حجر الأساس للعديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكِّننا من تمثيل البيانات وتحليلها بطرق تجعل من الممكن "فهم" البيانات الضخمة والتعامل معها بكفاءة. سوف نستعرض مسار المنهج الذي يربط بين مفاهيم الجبر الخطي الأساسية وتطبيقات حقيقية في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وComputer Vision.
في البداية، سنبدأ بفهم المصفوفات، والتي تعد الأساس لتمثيل البيانات في الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، تعتبر الصور الرقمية مصفوفات من القيم الرقمية، حيث يمثل كل عنصر في المصفوفة بكسل في الصورة. ستساعدنا دراسة العمليات على المصفوفات - مثل الجمع والطرح والضرب - في تعلم كيفية دمج وتعديل البيانات. كما سنتعرف على المحددات التي تساعد في معرفة ما إذا كانت المصفوفة تحتوي على معلومات يمكن "عكسها" أو استخدامها في تحويلات البيانات.
عند تطوير نماذج التعلم الآلي، غالباً ما نحتاج إلى حل أنظمة معادلات خطية للعثور على القيم المثلى للنماذج. في هذا الجزء، سنتعلم كيفية حل هذه الأنظمة باستخدام أساليب مثل طريقة جاوس وجاوس-جوردان. على سبيل المثال، يمكن استخدام هذه الطرق في النماذج الخطية، مثل الانحدار الخطي، حيث نحاول إيجاد خط يتناسب مع مجموعة من النقاط في البيانات، وهي تقنية أساسية في التنبؤ وتحليل البيانات.
بعد ذلك، سنستكشف فضاءات المتجهات، وهي طريقة لتمثيل البيانات بطرق متعددة الأبعاد. فضاء المتجهات مفيد بشكل خاص عند التعامل مع ميزات البيانات، حيث يمثل كل متغير أو "ميزة" كمتجه. على سبيل المثال، في تحليل المكونات الأساسية (PCA)، نقوم بتقليل الأبعاد أو الميزات لإبراز الأهم منها فقط، وهو ما يجعل النموذج أكثر كفاءة ويقلل من تعقيد البيانات.
التحويلات الخطية هي جزء مهم آخر، حيث تتيح لنا تحويل البيانات وتعديلها بسهولة. على سبيل المثال، في Computer Vision، نحتاج غالبًا لتطبيق تحويلات مثل التدوير أو التمديد على الصور. في هذا الفصل، سنتعلم كيفية تمثيل هذه التحويلات على شكل مصفوفات تجعل التعامل معها أكثر بساطة.
يُعد فهم القيم الذاتية والمتجهات الذاتية خطوة هامة في تطبيقات مثل تحليل المكونات الأساسية (PCA)، والتي تُستخدم بكثرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي. القيم الذاتية تساعد في تحديد الأنماط الأكثر أهمية في البيانات. على سبيل المثال، عند التعامل مع صور للوجوه، يمكننا استخدام PCA لاستخراج الميزات الأكثر تميزاً مثل العيون والأنف والشكل العام، مما يتيح لنا تحليلها وتصنيفها بسرعة وفعالية.
سنتناول هنا الأشكال التربيعية وكيفية استخدامها في تحليل التشوهات أو الأنماط داخل البيانات. في التعلم العميق، على سبيل المثال، يمكننا استخدام الأشكال التربيعية في تصنيف الصور، حيث تتيح لنا تحديد المكونات الرئيسية وتحديد التوزيع العام للبيانات، مما يساعد في فهم التشوهات وتعديلها لتحسين جودة البيانات.
هذا الفصل الشامل يدمج استخدامات الجبر الخطي في تحليل البيانات وعلوم البيانات، مع التركيز على التطبيقات الأساسية في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والتعلم العميق وComputer Vision.
هذا الفصل يربط بين أساسيات الجبر الخطي وتطبيقاته في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات وتعلم الآلة والتعلم العميق، مما يوفر للطلاب فهمًا متكاملاً يمكّنهم من تطبيق هذه المفاهيم في تحليل البيانات واستخلاص الأنماط وتطوير النماذج القوية والفعّالة.
العودة إلي أساسيات الجبر الخطي